الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في كتاب "أغاني النساء بجهة القصرين" لماهر الهلالي: رصد للتراث الشفوي النسوي في سمامة كمعبّر عن مشاعرهن ومشاغلهن اليومية

نشر في  28 جويلية 2022  (17:44)

* يظهر في الصورة من اليمين الى اليسار: ماهر عباس الهلالي ثم دارين مصباح ثم فتحي بلحاج يحي عن جمعية نشاز ثم عدنان الهلالي

تولى الباحث ماهر عباس الهلالي، بمناسبة عرض "رعاة سمامة... هطايا هطايا" للفنان عدنان الهلالي في افتتاح تظاهرة مهرجان البحر برواد يوم الثلاثاء 26 جويلية 2022، تقديم كتابه "أغاني النساء بجهة القصرين في الثقافة الشعبية التونسية... دراسة تحليلية لغناء النساء في منطقة سمامة نموذجا".

واعتبر ماهر الهلالي، وهو متحصل على الاستاذية في الموسيقى والعلوم الموسيقية حول آلة البيانو في الموسيقى التونسية وعلى ماجستير في علم الموسيقى بعنوان أغاني النساء بمنطقة سمامة في البلاد التونسية، ان "الاستماع الى التراث النسوي هو استماع لذاكرة الماضي والبحث فيه واستنطاق كل ما ورثناه عن الاجداد وذلك يعني اننا نستحضره في الحاضر ونحييه، اذ تلعب أغاني النساء دور الفاعل من خلال تأثير ما تحمله أو تحتويه من وثائق ومعطيات موسيقية واجتماعية وتاريخية».  واردف قائلا: "و من الدوافع الموضوعية لهذه الدراسة هو الدور الذي تلعبه نساء الارياف عندما يغادر ازواجهن للعمل، فهن  يبقين مرابطات، وهن من حفظن الارض زمن الاستعمار، وهن من ساعدن أزواجهن في الجبال بالغذاء وبجلب العتاد وهن ايضا من قاومن حيف الحكام، وهن من يعانين التهميش والميز الاقتصادي".

واشار الباحث في مقدمة بحثه الى ان أغاني المحفل والهطايا والتويزة وغيرها من التراث الشفوي النسوي في منطقة سمامة من ولاية القصرين تمثل شكلا فنيا دائم الحضور في الذاكرة الشعبية باعتبارها المعبرة عن مشاعرهم ومشاغلهم اليومية والمروحة عن النفس الكادحة. ويعود ظهور الاغنية البدوية وفق الباحث الى ما قبل القرن السابع عشر فهي مرتبطة بأهل البادية وتتعدد اشكالها وقوالبها وتعبيراتها.

ويمكن تصنيف أغاني النساء بالقصرين، وفق الباحث، الى ثلاثة اصناف أولها أغاني المحفل ويطلقون عليها تسمية غناية ومنها على سبيل المثال: "الحب كواني" و"صب الرشراش" و"سيدي القايد" و"عمي القهواجي". اما الصنف الثاني فيضم اغاني الطرق المرتبطة بالعرش التي ظهرت فيه طرق الركروكي والصالحي والنموشي والرقراقي ومنها على سبيل المثال "اه يا فوسانة" و"النهار شهيلي" و"اه يا حصادة" و"بير خمودة". ويشير الباحث الى ان الطرق يعني التغني ببيت او بيتين من الشعر بارتفاع تدريجي للصوت الى انتهاء مساحته مع تموجات لزيادة التطريب وبالاستعانة بعازف على آلة القصبة. الصنف الثالث هو المْلًولية، وهي نوع من الموال، وتعود تسميتها الى كلمة يالاله التي يبدأ بها الغناء كما نجدها في وسطه او آخره وهي نوع من ادوات الزخرفة، ومن الاغاني الملولية على سبيل المثال "جبل سمامة" و"ماكبر قلبك" و"وحش السرا وبروده".

وأبرز الباحث في كتابه ان بعض ابعاد الغناء النسائي عقائدية (مناجاة الاولياء الصالحين، الايمان بالله والرسل) واخرى نفسية (اثر فراق الأحبة والاقارب وهجر الحبيب) فضلا عن الابعاد الاجتماعية مثل تعزيز اواصر الاخوة والتسامح والابعاد السياسية الرافضة للاستعمار وللظلم وغياب العدل والمساواة.

هذا وتضمن الكتاب في ملحقه مجموعة من نصوص المدونة الغنائية لجهة القصرين التي قال عنها الباحث انها من اهم الدعائم التي تحتاجها الدراسات والبحوث وقد اخترنا منها الاغنية التالية:

 أجبل سمامة

أجبل سمامة نرقى في راسك نشمس   او قلبي راهوا قاعد يخمم

     مريض مريض او قالت:

أغزيل عمرة شرب الماء ولا تورد   باركوا للخال طلع لورد

أجبل العالي وتوطى خليني نرقى     ونطل على قوتة البرقة

اه يا حصادة جيتكم بالجاه خلوا حلة  زربني المكتوب صبري لله.

وكانت مجموعة من الدراسات اهتمت بالموروث الموسيقي في عدد من جهات البلاد التونسية على غرار الدراسة التي انجزتها عبير نصراوي بعنوان "التقاليد الموسيقية بجهة القصرين" والدراسة التي انجزها انس الغراب حول "اغاني النساء بمنطقة غمراسن" و"الاغاني النسائية بمنطقة بنبلة" لأيمن براهم والدراسة التي انجزتها الصحفية سلمى الجلاصي بعنوان "اغاني التونسيات من خلال مرددات نساء بلدة الكنائس". وتكمن اهمية هذه الدراسات في اعطاء امكانية الولوج لعوالم لا تكتفي فقط بدراسة التراث الغنائي بل تسمح بالنفاذ الى الابعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وبالتالي الى قراءة مستفيضة لتركيبة مجتمعية ما.

شيراز بن مراد